responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 98
وَالْبَيَانُ: الْإِيضَاحُ وَكَشْفُ الْحَقَائِقِ الْوَاقِعَةِ. وَالْهُدَى: الْإِرْشَادُ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُ النَّاسِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. وَالْمَوْعِظَةُ: التَّحْذِيرُ وَالتَّخْوِيفُ. فَإِنْ جَعَلْتَ الْإِشَارَةَ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمرَان: 137] الْآيَةَ فَإِنَّهَا بَيَانٌ لِمَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ عَدَمِ التَّلَازُمِ بَيْنَ النَّصْرِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا بَيْنَ الْهَزِيمَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَهِيَ هُدًى لَهُمْ لِيَنْتَزِعُوا الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ سَبَبَ النَّجَاحِ حَقًّا هُوَ الصَّلَاحُ وَالِاسْتِقَامَةُ، وَهِيَ مَوْعِظَةٌ لَهُمْ لِيَحْذَرُوا الْفَسَادَ وَلَا يغترّوا كَمَا اغترّت عَادٌ إِذْ قَالُوا: «مَنْ أَشَدُّ منّا قوّة» .
[139]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 139]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
قَوْلُهُ: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا نَهْيٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ أَسْبَابِ الْفَشَلِ. وَالْوَهَنُ:
الضَّعْفُ، وَأَصْلُهُ ضَعْفُ الذَّاتِ: كَالْجِسْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مَرْيَم: 4] ، وَالْحَبْلُ فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَأَصْبَحَ الْحَبْلُ مِنْهَا خَلَقًا وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي خَوَرِ الْعَزِيمَةِ وَضِعْفِ الْإِرَادَةِ وَانْقِلَابِ الرَّجَاءِ يَأْسًا، وَالشَّجَاعَةِ
جُبْنًا، وَالْيَقِينِ شَكًّا، وَلِذَلِكَ نُهُوا عَنْهُ. وَأَمَّا الْحُزْنُ فَهُوَ شِدَّةُ الْأَسَفِ الْبَالِغَةُ حَدَّ الْكَآبَةِ وَالِانْكِسَارِ. وَالْوَهَنُ وَالْحَزَنُ حَالَتَانِ لِلنَّفْسِ تَنْشَآنِ عَنِ اعْتِقَادِ الْخَيْبَةِ وَالرُّزْءِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا الِاسْتِسْلَامُ وَتَرْكُ الْمُقَاوَمَةِ. فَالنَّهْيُ عَنِ الْوَهَنِ وَالْحُزْنِ فِي الْحَقِيقَةِ نَهْيٌ عَنْ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الِاعْتِقَادُ، كَمَا يُنْهَى عَنِ النِّسْيَانِ، وَكَمَا يُنْهَى أَحَدٌ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ فِي نَحْوِ لَا أَرَيَنَّ فُلَانًا فِي مَوْضِعِ كَذَا أَيْ لَا تَتْرُكْهُ يَحُلُّ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ عَلَى هَذَا النَّهْيِ قَوْلَهُ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمرَان: 137] إِلَخْ ... وَعَقَّبَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَهَذِهِ بِشَارَةٌ لَهُمْ بِالنَّصْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَالْعُلُوُّ هُنَا علوّ مَجَازِيٌّ وَهُوَ عُلُوُّ الْمَنْزِلَةِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست